تفاعل مع هذه الصفحة
المواضيع الأخيرة
أنت الزائر رقم
سلسلة آداب الفتى :التواضع أحب إلى
صفحة 1 من اصل 1
سلسلة آداب الفتى :التواضع أحب إلى
التواضع أحب إلى
تأليف : صبري سلامة شاهين
دار بلنسية
---
بسم الله الرحمن الرحيم
عبد العزيز: ما شاء الله ما شاء الله .. ما هذه العظمة والأبهة يا عماد؟!
ياسر: إيه .. كلُّ يومٍ لقاءٌ صحفيٌّ على مدار أسبوعٍ كامل.
عبد العزيز: وصورك ملأت الجرائد.
ياسر: واسمك على كلِّ لسان.
عماد: الحمد لله .. الحمد لله .. فهذا من فضل ربي.
عبد العزيز: صحيح يا عماد، ما سبب هذا النجاح الباهر؟
ياسر: يبدو أنك كنت تحفظ كلَّ شيء.
عماد: صحيح كنت أحفظ وأفهم، ولكن قبل كلِّ شيءٍ هو توفيقٌ من الله عزَّ وجل.
عبد العزيز: بالتأكيد كان والداك يساعدانك.
ياسر: وكذلك المدرِّسون المتخصِّصون، يدخل هذا ويخرج هذا.
عماد: لا ياسر، فأنت تعلم أنَّ حالتنا لا تسمح بذلك.
عبد العزيز: الأمر العجيب يا عماد أنك حصلت على الدرجات النهائية.
ياسر: ولم يجد لك المدرسون خطأً واحدًا.
عبد العزيز: لقد صرَّح بذلك مدير المدرسة في لقاءٍ صحفيٍّ نُشِر في جريدة الرياض.
ياسر: فماذا كنت تفعل إذن يا عماد؟
عبد العزيز: نعم، احكِ لنا طريقتك في المذاكرة وتحصيل الدروس.
عماد: باختصار شديد كنت أُحضِّر الدرس قبل الذهاب إلى المدرسة، وأستمع بإنصاتٍ وتركيزٍ شديدٍ للمدرس، وأراجع في البيت ما أخذته في المدرسة.
ياسر يتعجَّب ويستقلُّ ما قاله عماد فيقول: فقط ؟!.. فقط؟!!
عبد العزيز: أخشى ما أخشاه عليك يا عماد أن يتسرَّب إلى قلبك شيء من العجب أو الكبر بعد هذا النجاح العظيم.
عماد: جزاك الله خيرًا يا عبد العزيز، فإنَّ الشيطان أراد أن ينفخ في نفسي، ويُزيِّن لي النجاح، ويُصوِّرني بأعظم صورة.
عبد العزيز: الحمد لله، ولا أُزكِّيك على الله، فإني لم أجد منك أيَّ مظهرٍ من مظاهر العجب والكبرياء، ولكني خشيت من هذا فأحببت أن ألفت نظرك حبًّا لك وحرصًا عليك.
عماد: جزاك الله خيرًا يا أخي، فالمؤمن مرآة أخيه، وهذا واجبٌ عليك أن تنصح لي، واجبٌ عليّ أن أستجيب لنصحك.
ياسر: ولكن يا عماد لِمَ وافقت على نشر صورك في الجرائد؟
عماد: ولِمَ هذا الإحراج يا ياسر؟ وأنا والحمد لله م أوافق، ولكن أُخذت هذه الصور وأنا وسط زملائي ومع أساتذتي.
ياسر: ولكن هذا حرام يا عماد، وأنت تعلم ذلك؟!
عماد: لقد قُمت بواجبي، وفعلت ما كُلِّفت به، وبيَّنت للحاضرين حُكم الله وحُكم رسوله في الصور والتصوير.
عبد العزيز: دع عنك هذا يا ياسر، المهم أن ننصح أخانا ونُذكِّره بفضل التواضع.
عماد: والله يا إخوان لما علمت بخبر نجاحي هذا سجدت شكرًا لله، وتذكرت إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وأيقنت أن المتقي هو الناجح الحقيقي.
يدخل الجدُّ ويُسلِّم على الأولاد قائلاً:
السلام عليكم يا أحبابي!
الأولاد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عماد: الحمد لله على سلامتك يا جدِّي!
عبد العزيز: متى وصلت يا جدي؟
الجد: الآن فقط يا بني.
ياسر: اجلس يا جدي، اجلس واسترح.
الجد: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، رزقني الله وإيَّاكم التقوى يا أولادي.
عبد العزيز: لقد نجح عماد يا جدِّي نجاحًا باهرًا، وحصل على الدرجات النهائية.
ياسر: نجاحٌ عجيب، فلم يجد المدرِّسون له خطأً واحدًا.
الجد: هنيئًا لك يا عماد، وبارك الله فيك، فلقد علمت من الجرائد .. ولا تنسى يا بني شكر الله على هذه النعمة، واحذر البطر والكبر والإعجاب بالنفس؛ فإن هذه أدواء مهلكة.
عماد: الحمد لله يا جدي! لقد تذكَّرت نصائحك لي، وخاصة حديث رسول الله : «إن الله تعالى أوحى إلي أَنْ تواضعوا، ولا يبغي بعضكم على بعض».
الجد: صدق رسول الله حين قال: «ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله».
عماد: وصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال: «وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع».
الجد: اعلم يا بنيّ أنك محسودٌ بنجاحك هذا، فقد قيل: التواضع أحدُ مصائد الشرف، وكلُّ نعمة محسودٌ عليها صاحبها إلاَّ التواضع، فاحرص أن تكون متواضعًا.
عبد العزيز: لقد نصحت لأخي عماد، وحذَّرته من العجب والكبر، وأن يتحلَّى بالتواضع .. ولكن يا جدي قد يفهم البعض أنَّ التواضع هو الذِلَّة والمهانة.
الجد: لا يا بني، فهذا نبيُّ الله محمدٌ يختار أن يكون عبدًا رسولاً على أن يكون مَلِكًا نبيًا عندما قال له جبريل: تواضع لربِّك يا محمد.
الأولاد في صوت واحد: صلَّى الله عليه وسلَّم.
عماد: ولقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يمرُّ على الصبيان فيسلم عليهم، وكان يأتي ضعفاء المسلمين يزوروهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم.
عبد العزيز: وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يركب الحمار، ويخصف النعل، ويرقع القميص، ويجيب دعوة المملوك.
الجد: والله يا أبنائي إنَّ أمر رسولكم لعجيب؛ فلقد دعاه خيَّاط بالمدينة إلى طعامه .. أتدرون إلى أيِّ شيءٍ دعاه؟!
الأولاد: على أيِّ شيءٍ دعاه؟
الجد: دعاه إلى خبز شعير بإهالة سَنَخَة، وفيها قرع .. أتدرون يا أولاد ما الإهالة السَّنخَة؟
الأولاد: لا ندري .. لا ندري.
الجد: الإهالة السَّنَخَة هي ما يؤتدم به من الادِّهان، أي زيت الطعام، وقد تغيَّرت رائحته، والرسول يجيب دعوته ويأكل من طعامه تواضعًا لهذا الخيّاط وجبرًا لخاطره.
عماد: ما أحوجنا إلى التحلِّي بهذا الخُلُق الكريم، خُلُق التواضع .. فلو ذكرت لنا بعض النماذج لعلَّنا نتعلَّق به.
الجد: هذا الصِّديق أبو بكر رضي الله عنه الذي رجح الأمَّة كلَّها بإيمانه يقول عن نفسه: «وددت أني شعرة في جنب عبدٍ مؤمن».
عبد العزيز: اذكر لنا مثالاً من تواضع عُمر بن الخطاب.
الجد: يقول عروة بن الزبير «رأيت عمر يحمل على عاتقه قربة ماء، فقلت له: يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا، فقال عمر: لما أتاني الوفود سامعين مُطيعين دخلت نفسي نخوة فأردتُ أن أكسرها».
ياسر: اذكر لنا مثالاً آخر يا جدِّي.
الجد: هذا عبد الرحمن بن عوف، كان لا يُعرف من بين عبيده لتواضعه في الزيِّ واللباس، وهذا أبو هريرة وقد ولي الإمارة مرَّة، فكان يحمل حزمة الحطب على ظهره، ويقول للناس: طرِّقوا للأمير، أي افسحوا الطريق .. وهذا يا أولاد عمار بن ياسر، وكان أميرًا على الكوفة يحمل على ظهره علف الدَّواب.
عبد العزيز: هؤلاء أصحاب رسول الله ورضي الله عنهم، تربَّوا على عينه ولازموه وأخذوا منه فبلغوا أعلى المنازل وتفوَّقوا على الدنيا بأسرها.
الجد: وكذلك كان التابعون لهم بإحسان.
فهذا عمر بن عبد العزيز يشتري ابنٌ له خاتمًا بألف درهم فيأمره ببيعه، ويطعم بثمنه ألف جائع، ويتَّخذ خاتمًا بدرهمين ويكتب على فصِّه: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
عماد: ولماذا يا جدِّي لم يتكرَّر جيلٌ مثل هذه الأجيال؟!
الجد: لأننا يا بُني بعدنا عن تعاليم الدين الحقيقية، وضعف فينا الإيمان، وأحببنا الدنيا وتنافسنا عليها .. من هنا، من هنا يا أولاد أتى علينا ما ترَون من ضعفٍ وانهزاميةٍ وتخلُّفٍ وضياع.
عبد العزيز: ولكن يا جدي الخير في أمة محمد إلى يوم القيامة.
الجد: نعم يا بني، وهذا من فضل الله علينا، فلن نعدم الخير وأمامنا هذه النماذج الطيبة الرائعة، تبعث فينا النشاط وتُحيِي فينا الهمَّة .. وها هي بشائر الخير تلوح لنا فيكم أنتم.
ياسر: اذكر لنا مثالاً آخر يا جدِّي؛ فإنَّ هذا الموضوع هام جدًّا، وأحبُّ أن أُربِّي نفسي على هذا الخُلق الرَّفيع.
الجد: طبعًا كلُّكم تعرفون أحمد بن حنبل إمام أهل السنة.
الأولاد: نعم .. نعرفه.
الجد: يقول له أحد الناس: لا يزال الناس بخيرٍ ما مَنَّ الله عليهم ببقائك، فماذا ترَون قال له؟
الأولاد: وماذا قال له؟!
ياسر: هل شكره وقال له: جزاك الله خيرًا؟
الجد: لا يا بني لم يقل ذلك، بل إنه لم يرضَ منه هذا القول وقال له: لا تقل هذا، ومن أنا في الناس؟!
عماد: إذن كيف يُحقِّق الواحد منا التواضع في نفسه ومع إخوانه؟
الجد: أولاً يا بني لا تأنف ولا تستكبر أن تحمل أمتعتك بنفسك.
عبد العزيز وياسر: وماذا أيضًا يا جدِّي؟
الجد: أن تجلسوا إلى المساكين، فهذا سبط النبي الحسين بن علي يمرُّ على مساكين معهم كِسَرٌ من خبز فدعَوه فأجابهم وهو يقرأ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ.
ياسر: قد يأنف الواحد منا أو تأخذه العزَّة إذا رأى من هو دونه، فماذا يفعل ليدفع عن نفسه هذا الخُلُق؟
الجد: إذا وجدتَ أحدًا أقلَّ منك قدرًا فلا تُحقِّره؛ لأنه قد يكون أسلم منك قلبًا وصدرًا، أو أقلَّ منك ذنبًا، أو أعظم منك أجرًا وتقرُّبًا إلى الله.
ياسر: حتى وإن كان ظاهره العصيان والفسق والمجاهرة بالذنوب؟
الجد: وإن كان كما قلت فاحمد الله أن عافاك من هذا البلاء، واحذر رؤيتك لطاعتك فيكون فيها رياءٌ أو عجبٌ فيحبط عملك .. ولعلَّ يا بني هذا المذنب فيه من الندم والتحسُّر والانكسار والخوف من ذنوبه ما يكون سببًا لمغفرته.
عماد: رحم الله الشاعر القائل:
تَواضَعْ تَكُن كَالنَّجْمِ لاَحَ لِنَاظِرٍٍ
عَلَى صَفَحَاتِ المَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ
وَلاَ تَكُ كَالدُّخَانِ يَعلُو بِنَفْسِهِ
إلَى طَبَقَاتِ الجَوِّ وَهُوَ وَضِيعُ
عبد العزيز: ما أجمل قول أمُّنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: إنكم لتغفلون أفضل العبادة: التواضع.
عماد: وصدق إمام العلماء وقدوتهم مُعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال: لن يبلغ العبد ذُرى الإيمان حتى يكون التواضع أحبُّ إليه من الشَّرف.
الجد: وصدق يا أبنائي إمام الأنبياء الرسول الكريم حين قال: «انتسب رجلان على عهد موسى. فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى عدَّ تسعةً، فمن أنت لا أُمَّ لك؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، فأوحى الله على موسى: أن قل لهذين المنتَسِبَين: أمَّا أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم في النار، وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة».
***
تأليف : صبري سلامة شاهين
دار بلنسية
---
بسم الله الرحمن الرحيم
عبد العزيز: ما شاء الله ما شاء الله .. ما هذه العظمة والأبهة يا عماد؟!
ياسر: إيه .. كلُّ يومٍ لقاءٌ صحفيٌّ على مدار أسبوعٍ كامل.
عبد العزيز: وصورك ملأت الجرائد.
ياسر: واسمك على كلِّ لسان.
عماد: الحمد لله .. الحمد لله .. فهذا من فضل ربي.
عبد العزيز: صحيح يا عماد، ما سبب هذا النجاح الباهر؟
ياسر: يبدو أنك كنت تحفظ كلَّ شيء.
عماد: صحيح كنت أحفظ وأفهم، ولكن قبل كلِّ شيءٍ هو توفيقٌ من الله عزَّ وجل.
عبد العزيز: بالتأكيد كان والداك يساعدانك.
ياسر: وكذلك المدرِّسون المتخصِّصون، يدخل هذا ويخرج هذا.
عماد: لا ياسر، فأنت تعلم أنَّ حالتنا لا تسمح بذلك.
عبد العزيز: الأمر العجيب يا عماد أنك حصلت على الدرجات النهائية.
ياسر: ولم يجد لك المدرسون خطأً واحدًا.
عبد العزيز: لقد صرَّح بذلك مدير المدرسة في لقاءٍ صحفيٍّ نُشِر في جريدة الرياض.
ياسر: فماذا كنت تفعل إذن يا عماد؟
عبد العزيز: نعم، احكِ لنا طريقتك في المذاكرة وتحصيل الدروس.
عماد: باختصار شديد كنت أُحضِّر الدرس قبل الذهاب إلى المدرسة، وأستمع بإنصاتٍ وتركيزٍ شديدٍ للمدرس، وأراجع في البيت ما أخذته في المدرسة.
ياسر يتعجَّب ويستقلُّ ما قاله عماد فيقول: فقط ؟!.. فقط؟!!
عبد العزيز: أخشى ما أخشاه عليك يا عماد أن يتسرَّب إلى قلبك شيء من العجب أو الكبر بعد هذا النجاح العظيم.
عماد: جزاك الله خيرًا يا عبد العزيز، فإنَّ الشيطان أراد أن ينفخ في نفسي، ويُزيِّن لي النجاح، ويُصوِّرني بأعظم صورة.
عبد العزيز: الحمد لله، ولا أُزكِّيك على الله، فإني لم أجد منك أيَّ مظهرٍ من مظاهر العجب والكبرياء، ولكني خشيت من هذا فأحببت أن ألفت نظرك حبًّا لك وحرصًا عليك.
عماد: جزاك الله خيرًا يا أخي، فالمؤمن مرآة أخيه، وهذا واجبٌ عليك أن تنصح لي، واجبٌ عليّ أن أستجيب لنصحك.
ياسر: ولكن يا عماد لِمَ وافقت على نشر صورك في الجرائد؟
عماد: ولِمَ هذا الإحراج يا ياسر؟ وأنا والحمد لله م أوافق، ولكن أُخذت هذه الصور وأنا وسط زملائي ومع أساتذتي.
ياسر: ولكن هذا حرام يا عماد، وأنت تعلم ذلك؟!
عماد: لقد قُمت بواجبي، وفعلت ما كُلِّفت به، وبيَّنت للحاضرين حُكم الله وحُكم رسوله في الصور والتصوير.
عبد العزيز: دع عنك هذا يا ياسر، المهم أن ننصح أخانا ونُذكِّره بفضل التواضع.
عماد: والله يا إخوان لما علمت بخبر نجاحي هذا سجدت شكرًا لله، وتذكرت إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وأيقنت أن المتقي هو الناجح الحقيقي.
يدخل الجدُّ ويُسلِّم على الأولاد قائلاً:
السلام عليكم يا أحبابي!
الأولاد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عماد: الحمد لله على سلامتك يا جدِّي!
عبد العزيز: متى وصلت يا جدي؟
الجد: الآن فقط يا بني.
ياسر: اجلس يا جدي، اجلس واسترح.
الجد: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، رزقني الله وإيَّاكم التقوى يا أولادي.
عبد العزيز: لقد نجح عماد يا جدِّي نجاحًا باهرًا، وحصل على الدرجات النهائية.
ياسر: نجاحٌ عجيب، فلم يجد المدرِّسون له خطأً واحدًا.
الجد: هنيئًا لك يا عماد، وبارك الله فيك، فلقد علمت من الجرائد .. ولا تنسى يا بني شكر الله على هذه النعمة، واحذر البطر والكبر والإعجاب بالنفس؛ فإن هذه أدواء مهلكة.
عماد: الحمد لله يا جدي! لقد تذكَّرت نصائحك لي، وخاصة حديث رسول الله : «إن الله تعالى أوحى إلي أَنْ تواضعوا، ولا يبغي بعضكم على بعض».
الجد: صدق رسول الله حين قال: «ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله».
عماد: وصدق أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال: «وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع».
الجد: اعلم يا بنيّ أنك محسودٌ بنجاحك هذا، فقد قيل: التواضع أحدُ مصائد الشرف، وكلُّ نعمة محسودٌ عليها صاحبها إلاَّ التواضع، فاحرص أن تكون متواضعًا.
عبد العزيز: لقد نصحت لأخي عماد، وحذَّرته من العجب والكبر، وأن يتحلَّى بالتواضع .. ولكن يا جدي قد يفهم البعض أنَّ التواضع هو الذِلَّة والمهانة.
الجد: لا يا بني، فهذا نبيُّ الله محمدٌ يختار أن يكون عبدًا رسولاً على أن يكون مَلِكًا نبيًا عندما قال له جبريل: تواضع لربِّك يا محمد.
الأولاد في صوت واحد: صلَّى الله عليه وسلَّم.
عماد: ولقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يمرُّ على الصبيان فيسلم عليهم، وكان يأتي ضعفاء المسلمين يزوروهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم.
عبد العزيز: وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يركب الحمار، ويخصف النعل، ويرقع القميص، ويجيب دعوة المملوك.
الجد: والله يا أبنائي إنَّ أمر رسولكم لعجيب؛ فلقد دعاه خيَّاط بالمدينة إلى طعامه .. أتدرون إلى أيِّ شيءٍ دعاه؟!
الأولاد: على أيِّ شيءٍ دعاه؟
الجد: دعاه إلى خبز شعير بإهالة سَنَخَة، وفيها قرع .. أتدرون يا أولاد ما الإهالة السَّنخَة؟
الأولاد: لا ندري .. لا ندري.
الجد: الإهالة السَّنَخَة هي ما يؤتدم به من الادِّهان، أي زيت الطعام، وقد تغيَّرت رائحته، والرسول يجيب دعوته ويأكل من طعامه تواضعًا لهذا الخيّاط وجبرًا لخاطره.
عماد: ما أحوجنا إلى التحلِّي بهذا الخُلُق الكريم، خُلُق التواضع .. فلو ذكرت لنا بعض النماذج لعلَّنا نتعلَّق به.
الجد: هذا الصِّديق أبو بكر رضي الله عنه الذي رجح الأمَّة كلَّها بإيمانه يقول عن نفسه: «وددت أني شعرة في جنب عبدٍ مؤمن».
عبد العزيز: اذكر لنا مثالاً من تواضع عُمر بن الخطاب.
الجد: يقول عروة بن الزبير «رأيت عمر يحمل على عاتقه قربة ماء، فقلت له: يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا، فقال عمر: لما أتاني الوفود سامعين مُطيعين دخلت نفسي نخوة فأردتُ أن أكسرها».
ياسر: اذكر لنا مثالاً آخر يا جدِّي.
الجد: هذا عبد الرحمن بن عوف، كان لا يُعرف من بين عبيده لتواضعه في الزيِّ واللباس، وهذا أبو هريرة وقد ولي الإمارة مرَّة، فكان يحمل حزمة الحطب على ظهره، ويقول للناس: طرِّقوا للأمير، أي افسحوا الطريق .. وهذا يا أولاد عمار بن ياسر، وكان أميرًا على الكوفة يحمل على ظهره علف الدَّواب.
عبد العزيز: هؤلاء أصحاب رسول الله ورضي الله عنهم، تربَّوا على عينه ولازموه وأخذوا منه فبلغوا أعلى المنازل وتفوَّقوا على الدنيا بأسرها.
الجد: وكذلك كان التابعون لهم بإحسان.
فهذا عمر بن عبد العزيز يشتري ابنٌ له خاتمًا بألف درهم فيأمره ببيعه، ويطعم بثمنه ألف جائع، ويتَّخذ خاتمًا بدرهمين ويكتب على فصِّه: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
عماد: ولماذا يا جدِّي لم يتكرَّر جيلٌ مثل هذه الأجيال؟!
الجد: لأننا يا بُني بعدنا عن تعاليم الدين الحقيقية، وضعف فينا الإيمان، وأحببنا الدنيا وتنافسنا عليها .. من هنا، من هنا يا أولاد أتى علينا ما ترَون من ضعفٍ وانهزاميةٍ وتخلُّفٍ وضياع.
عبد العزيز: ولكن يا جدي الخير في أمة محمد إلى يوم القيامة.
الجد: نعم يا بني، وهذا من فضل الله علينا، فلن نعدم الخير وأمامنا هذه النماذج الطيبة الرائعة، تبعث فينا النشاط وتُحيِي فينا الهمَّة .. وها هي بشائر الخير تلوح لنا فيكم أنتم.
ياسر: اذكر لنا مثالاً آخر يا جدِّي؛ فإنَّ هذا الموضوع هام جدًّا، وأحبُّ أن أُربِّي نفسي على هذا الخُلق الرَّفيع.
الجد: طبعًا كلُّكم تعرفون أحمد بن حنبل إمام أهل السنة.
الأولاد: نعم .. نعرفه.
الجد: يقول له أحد الناس: لا يزال الناس بخيرٍ ما مَنَّ الله عليهم ببقائك، فماذا ترَون قال له؟
الأولاد: وماذا قال له؟!
ياسر: هل شكره وقال له: جزاك الله خيرًا؟
الجد: لا يا بني لم يقل ذلك، بل إنه لم يرضَ منه هذا القول وقال له: لا تقل هذا، ومن أنا في الناس؟!
عماد: إذن كيف يُحقِّق الواحد منا التواضع في نفسه ومع إخوانه؟
الجد: أولاً يا بني لا تأنف ولا تستكبر أن تحمل أمتعتك بنفسك.
عبد العزيز وياسر: وماذا أيضًا يا جدِّي؟
الجد: أن تجلسوا إلى المساكين، فهذا سبط النبي الحسين بن علي يمرُّ على مساكين معهم كِسَرٌ من خبز فدعَوه فأجابهم وهو يقرأ: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ.
ياسر: قد يأنف الواحد منا أو تأخذه العزَّة إذا رأى من هو دونه، فماذا يفعل ليدفع عن نفسه هذا الخُلُق؟
الجد: إذا وجدتَ أحدًا أقلَّ منك قدرًا فلا تُحقِّره؛ لأنه قد يكون أسلم منك قلبًا وصدرًا، أو أقلَّ منك ذنبًا، أو أعظم منك أجرًا وتقرُّبًا إلى الله.
ياسر: حتى وإن كان ظاهره العصيان والفسق والمجاهرة بالذنوب؟
الجد: وإن كان كما قلت فاحمد الله أن عافاك من هذا البلاء، واحذر رؤيتك لطاعتك فيكون فيها رياءٌ أو عجبٌ فيحبط عملك .. ولعلَّ يا بني هذا المذنب فيه من الندم والتحسُّر والانكسار والخوف من ذنوبه ما يكون سببًا لمغفرته.
عماد: رحم الله الشاعر القائل:
تَواضَعْ تَكُن كَالنَّجْمِ لاَحَ لِنَاظِرٍٍ
عَلَى صَفَحَاتِ المَاءِ وَهُوَ رَفِيعُ
وَلاَ تَكُ كَالدُّخَانِ يَعلُو بِنَفْسِهِ
إلَى طَبَقَاتِ الجَوِّ وَهُوَ وَضِيعُ
عبد العزيز: ما أجمل قول أمُّنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: إنكم لتغفلون أفضل العبادة: التواضع.
عماد: وصدق إمام العلماء وقدوتهم مُعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال: لن يبلغ العبد ذُرى الإيمان حتى يكون التواضع أحبُّ إليه من الشَّرف.
الجد: وصدق يا أبنائي إمام الأنبياء الرسول الكريم حين قال: «انتسب رجلان على عهد موسى. فقال أحدهما: أنا فلان ابن فلان حتى عدَّ تسعةً، فمن أنت لا أُمَّ لك؟ قال: أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام، فأوحى الله على موسى: أن قل لهذين المنتَسِبَين: أمَّا أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم في النار، وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة».
***
مواضيع مماثلة
» سلسلة آداب الفتى :الصاحب ساحب
» سلسلة آداب الفتى :الفرض الدائم
» سلسلة آداب الفتى : سوف أحافظ على كرامتي
» سلسلة آداب الفتى :احذر السيف البتار
» سلسلة آداب الفتى :ماذا تعني الفتوة؟
» سلسلة آداب الفتى :الفرض الدائم
» سلسلة آداب الفتى : سوف أحافظ على كرامتي
» سلسلة آداب الفتى :احذر السيف البتار
» سلسلة آداب الفتى :ماذا تعني الفتوة؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 11 نوفمبر 2016, 3:39 am من طرف admin
» لماذا طلب داعي اليهود نظرة من رسول الله في رحلة المعراج
الخميس 25 فبراير 2016, 4:12 am من طرف طيف الخيال
» نبراس الصادقين والصالحين
الثلاثاء 08 ديسمبر 2015, 6:40 am من طرف طيف الخيال
» العقاب بالضرب في التربية الإسلامية
الخميس 19 نوفمبر 2015, 4:28 pm من طرف طيف الخيال
» مبدأ التدرج في العلاج
الثلاثاء 01 سبتمبر 2015, 11:28 am من طرف طيف الخيال
» أبو بكر الصديق تاج الأمة الإسلامية
الخميس 13 أغسطس 2015, 8:39 am من طرف طيف الخيال
» ما حكم بلع البلغم للصائم
الإثنين 29 يونيو 2015, 8:19 am من طرف طيف الخيال
» أركان الصيام
الخميس 18 يونيو 2015, 1:17 am من طرف طيف الخيال
» الرد على من انكر دعاء ليلة النصف من شعبان
الثلاثاء 02 يونيو 2015, 10:58 pm من طرف طيف الخيال
» هل أسري أو عرج برسول قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
السبت 23 مايو 2015, 5:00 pm من طرف طيف الخيال
» ما المشاهد التي تستفيد منها الأمة في رحلة الإسراء
الأربعاء 13 مايو 2015, 7:31 pm من طرف طيف الخيال
» مشاهد المعنى فى الإسراء والمعراج
الجمعة 01 مايو 2015, 8:41 pm من طرف طيف الخيال
» معراج أبي يزيدالبسطامي
الأربعاء 22 أبريل 2015, 7:10 pm من طرف طيف الخيال
» كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيته بساما ضحاكا
السبت 04 أبريل 2015, 7:58 am من طرف طيف الخيال
» هيئة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم النافلة
الجمعة 27 مارس 2015, 4:09 am من طرف طيف الخيال
» وسترا لعورات الأحبة
الأحد 15 مارس 2015, 12:19 am من طرف طيف الخيال
» ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﺴﻠﺒﻲ ﺍﻟﻌﻠﻨﻲ
الجمعة 06 مارس 2015, 1:37 pm من طرف admin
» كيف تتعامل مع من ينتقدك بمهارة
الجمعة 06 مارس 2015, 1:17 pm من طرف admin
» ﻛﻴﻒ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﻨﺘﻘﺪﻙ ؟
الجمعة 06 مارس 2015, 1:09 pm من طرف admin
» المراهقة والمراهقون
الأحد 28 ديسمبر 2014, 11:08 pm من طرف عبير المهبل